مقالة للكاتبة : م. رازان المزروع

Razan M. AlMazroo

مع دخولنا مرحلة أخرى من امكانية العمل من المنزل، ومع تداعيات جائحة كوفيد-19  ورقمنة الأعمال والتزايد المستمر في توقعات العملاء وارتفاع نسبة الشباب االذين يتمتعون بمهارات تقنية، أصبح اليوم الإبتكار في مجال صناعة الخدمات المصرفية حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى. لذا لجأت المؤسسات المالية العالمية إلى تبني المصرفية المفتوحة وواجهات برمجة التطبيقات ( API’s )  للمساعدة في تلبية هذه التوقعات الجديدة.

تتيح منظومة المصرفية المفتوحة مشاركة بيانات العملاء بين البنوك والمؤسسات المصرفية مع أطراف ثالثة بموافقة العميل بهدف وضع إطار محكم لمشاركة البيانات بطريقة آمنة للوصول بسهولة أكبر إلى البيانات المالية للعملاء، حيث يتم تسهيل تبادل البيانات من خلال واجهات برمجة التطبيقات التي تسهل على البنوك والخدمات المالية المختلفة من التواصل مع بعضها لبعض.

الهدف من منظومة المصرفية المفتوحة هو تحسين الميزات الحالية وتطويرها لتكون الخدمات أكثر تخصيصا أو مصممة وفقاً لسلوكيات الفرد وأسلوب حياته، والتي تؤدي إلى تخفيض التكاليف أو توليد الإيرادات، تعزيز الابتكار والتنافسية وتذليل العوائق أمام دخول الشركات الجديدة إلى السوق المحلية لتحقيق كفاءة أكبر وزيادة الشمول المالي، ويمكن ربطها جميعا بشكل وثيق بمنتجات مالية مختلفة تعزز من الخدمات المالية وتزيد من قيمتها ومرونتها مما يؤدي إلى تطوير تجربة شخصية متكاملة للعملاء بما في ذلك المدفوعات وتمويل رأس المال العامل وإدارة النقد والإقراض. 

ومن هذا المنطلق وفي سبيل دعم نمو اقتصاد المملكة العربية السعودية والحفاظ على استقرارها المالي والنقدي تم اطلاق برنامج تطوير القطاع المالي (FSDP) المنبثق من رؤية المملكة العربية السعودية 2030 بهدف تنمية الاقتصاد الرقمي وتمكين المؤسسات المالية من دعم نمو القطاع الخاص من خلال فتح المجال أمام الشركات الناشئة لتقديم خدمات مالية مبتكرة ونماذج أعمال جديدة تقدم طرق دفع سريعة للغاية وحلول مصرفية مبتكرة بعيداً عن الخدمات التقليدية. وتم الإعلان عن سياسة المصرفية المفتوحة من قبل البنك المركزي السعودي في عام 2021 واعطاء التراخيص لعدد من الشركات المتخصصة في مجال التقنية المالية للعمل تحت مظلة البيئة التجريبية (Regulatory Sandbox)، حيث بلغ عدد الشركات المرخص لها حتى اليوم من قبل البنك المركزي 35 شركة والذي عبرت عن الإنطلاقة الفعلية لتطوير وتحسين المنتجات المالية.

بالنظر إلى بعض أمثلة تطبيقات المصرفية المفتوحة والّتي من المرجح أن تطغى على القطاع لعام 2022، نرى أن هناك العديد من الفرصالاستثمارية وحالات الاستخدام، فعلى سبيل المثال تتيح التطبيقات/ الحسابات الموحدة (Accounts Aggregator)  إدارة الحسابات الشخصية وبطاقات الإئتمان وحسابات الاستثمار والقروض ومعرفة أين أنفقت أموالك ومن أين حصلت عليها من مختلف البنوك وذلك من خلال نفس الواجهة بدمج جميع الحسابات سواء الأفراد أو الأعمال في لوحة تحكم مخصصة (Customized dashboard) وايجاد أنماط أكثر سلاسة في الأنشطة المصرفية اليومية، بالتالي القدرة على التخطيط المالي وتتبع الميزانيات الشخصية والنفقات بشكل أفضل وإيجاد طرق جديدة لتوفير المال وترشيد النفقات سواء على مستوى الفرد أم الشركات وبالتالي رفع جودة ومرونة الخدمات المقدمة للعملاء.

وعلى صعيد آخر تتيح المصرفية المفتوحة تسريع وأتمـتة طلبات الائتمان من خلال السماح للمقرضين والبنوك بالحصول على تقييم فوري للتاريخ الائتماني لمقدم الطلب، بدلا من رفع تفويض من قبل البنك لطلب المعلومات الائتمانيه من قبل الجهات المشرعه (الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية  – سمة ) أو غيرها من البنوك وبالتالي إتاحة اتخاذ قرارات بشكل أسرع من قبل المقرضين من خلال معرفة ملاءة مقدم الطلب وقدرته على السداد، كما يمكن أن يسمح للمستهلك العثور بسرعة على المنتجات التي من المرجح أن تطابق أهليته وقدرته على السداد قبل التقديم عليها. ساهم هذا الإتجاه في ارتفاع الكثير من حلول أشتر الآن وادفع لاحقاً  Pay later – BNPL) (Buy now  في الصناعة المالية.

من الأمثلة على التطبيقات المبتكرة أيضا خدمة إدارة الإشتراكات (Subscription Management) حيث تكشف هذه الخدمة جميع المدفوعات المتكررة من العميل وتعرضها في واجهة واحدة كخدمات البث المباشر وعضوية اللياقة البدنية إلى فاتورة الهاتف المحمول والقروض الشهرية، كما يستطيع العميل إدارة المدفوعات المتكررة عن طريق الغاء الاشتراكات غير المرغوب فيها أو الحصول على إشعار بالدفعات القادمة.

وبالنظر إلى الطرق التقليدية لفتح حساب جديد يمكن للإجراء أن يصبح أسهل وأسرع حيث ستسمح المصرفية

المفتوحة بتدفق البيانات المصرفية الهامة للعميل كالاسم والعنوان والوظيفة وتفاصيل الدخل وتاريخ الميلاد والسجل الائتماني وتُطابقها في أكثر من مصدر مما ينتج عنه الحد من مخاطر الاحتيال من خلال خاصية اعرف عميلك     (Know Your Customer KYC)والتي تتيح الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات حول العميل قبل السماح بفتح حساب جديد، بالإضافة إلى أن فتح حساب جديد رقمي يعد أول تفاعل للعميل مع المصرف عبر الإنترنت لذلك ستكون التوقعات بشأن السرعة وتجربة المستخدم عالية بالنسبة لبعض شرائح العملاء.

لا تقتصر فوائد تلك الخدمات على الشركات المالية فقط، إنما قد يستفيد مزودوا خدمات التجزئة الإلكترونية من تطبيقات مبتكرة تحلل بيانات المعاملات المالية وتقدم منتجات مخصصة تتعلق بأنماط وسلوك الاستهلاك بما يعطيهم رؤية واضحة عن كيفية ضخ استثماراتهم والحصول على مبيعات وعوائد أعلى.

وفي النهاية، هنالك العديد من الفرص الواعدة التي لايمكن حصرها في هذا المقال، حيث لم تعد تشكل اللوائح التنظيمية وغياب التشريعات المطلوبة تحدي أمام الشركات الناشئة لتبني الابتكار بسبب توفرها وجاهزيتها، لذا حان الوقت للبنوك لإضافة واجهات برمجة التطبيقات المفتوحة إلى استراتيجياتها والدخول في شراكه مع شركات التقنية المالية الناشئة لتلبية هذه التوقعات ومواكبة التطور والسباق التكنولوجي، لكن يبقى سؤال..

هل ستدعم البنوك والمؤسسات المصرفية هذا التحوّل؟

قد نرى وجود مقاومة كبيرة من قبلهم في التغيير واهتمامهم بالمحافظة على النمط التقليدي في تقديم الخدمات المالية خصوصاً تلك البنوك التي تملك حصة سوقية كبيرة خوفا من التكاليف المرتفعة في تأهيل الكوادر القادرة على دعم قطاع أمن المعلومات و إمكانية خسارة بعض العملاء وهروبهم إلى مصارف رقمية أكثرجذباً.

بجانب ذلك…

هل ستتفوق توقعات العميل الى اثراء تجربته والحاجة إلى التنوع في الخدمات المقدمة له على التحديات التي قد تحدث بسبب تردده في مشاركة معلوماته المصرفية الشخصية مع طرف ثالث خوفاً من الوقوع ضحية الاحتيال المالي؟ 

تبقى هذه الأسئلة والتحديات ظاهره وملموسة، لذا من المهم الاستثمار في رفع مستوى الوعي المالي والثقافة الرقمية للأفراد ، تطوير استراتيجيات لواجهة برمجة التطبيقات من قبل البنوك واعتبارها نقطة انطلاق لها مع الحرص على إقامة شراكات ذات قيمة مع الشركات التقنية وتعزيزالبنية التحتية الرقمية مع فرض منظومة صارمة لأساليب الحماية والأمن السيبراني.